فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى: {والذين يُحَاجُّونَ فِي الله} أي يخاصمون في دينه {مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ} أي من بعد ما استجاب الناس لذلك الدين {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} أي باطلة وتلك المخاصمة هي أن اليهود قالوا ألستم تقولون إن الأخذ بالمتفق أولى من الأخذ بالمختلف؟ فنبوّة موسى وحقية التوراة معلومة بالاتفاق، ونبوة محمد ليست متفقًا عليها، فإذا بنيتم كلامكم في هذه الآية على أن الأخذ بالمتفق أولى، وجب أن يكون الأخذ باليهودية أولى، فبيّن تعالى أن هذه الحجة داحضة، أي باطلة فاسدة، وذلك لأن اليهود أطبقوا على أنه إنما وجب الإيمان بموسى عليه السلام لأجد ظهور المعجزات على وفق قوله، وههنا ظهرت المعجزات على وفق قول محمد عليه السلام، واليهود شاهدوا تلك المعجزات، فإن كان ظهور المعجزة يدل على الصدق، فههنا يجب الإعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان لا يدل على الصدق وجب في حق موسى أن لا يقروا بنبوته.
وأما الإقرار بنبوة موسى والإصرار على إنكار نبوة محمد مع استوائهما في ظهور المعجزة يكون متناقضًا. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَمَا تفرقوا} قال ابن عباس: يعني قريشًا.
{إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم} محمد صلى الله عليه وسلم؛ وكانوا يتمنَّون أن يبعث إليهم نبيّ؛ دليله قوله تعالى في سورة فاطر: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: 42] يريد نبيًّا.
وقال في سورة البقرة: {فَلَمَّا جَاءهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} [البقرة: 89] على ما تقدّم بيانه هناك.
وقيل: أمم الأنبياء المتقدّمين؛ فإنهم فيما بينهم اختلفوا لما طال بهم المدى، فآمن قوم وكفر قوم.
وقال ابن عباس أيضًا: يعني أهل الكتاب؛ دليله في سورة الْمُنْفَكِّينَ: {وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة} [البينة: 4].
فالمشركون قالوا: لِمَ خُصّ بالنبوة واليهود حسدوه لما بُعث؛ وكذا النصارى.
{بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي بغيًا من بعضهم على بعض طلبًا للرياسة، فليس تفرقهم لقصور في البيان والحجج، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} في تأخير العقاب عن هؤلاء.
{إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} قيل: القيامة؛ لقوله تعالى: {بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} [القمر: 46].
وقيل: إلى الأجل الذي قضى فيه بعذابهم.
{لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ} أي بين من آمن وبين مَن كفر بنزول العذاب.
{وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب} يريد اليهود والنصارى.
{مِن بَعْدِهِمْ} أي من بعد المختلفين في الحق.
{لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} من الذي أوصى به الأنبياء.
والكتاب هنا التوراة والإنجيل.
وقيل: {إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ} قريش.
{مِنْ بَعْدِهِمْ} من بعد اليهود النصارى.
{لَفِي شَكٍّ} من القرآن أو من محمد.
وقال مجاهد: معنى {مِنْ بَعْدِهِمْ} من قبلهم؛ يعني من قبل مشركي مكة، وهم اليهود والنصارى.
قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فادع واستقم} لما جاز أن يكون الشك لليهود والنصارى، أو لقريش قيل له: {فَلِذَلِكَ فادع} أي فتبينت شكّهم فادع إلى الله؛ أي إلى ذلك الدين الذي شرعه الله للأنبياء ووصاهم به.
فاللام بمعنى إلى؛ كقوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} أي إليها.
و{ذلك} بمعنى هذا.
وقد تقدّم أول (البقرة).
والمعنى فلهذا القرآن فادع.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع.
وقيل: إن اللام على بابها؛ والمعنى: فمن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع واستقم.
قال ابن عباس: أي إلى القرآن فادع الخلق.
{واستقم} خطاب له عليه السلام.
قال قتادة: أي استقم على أمر الله.
وقال سفيان: أي استقم على القرآن.
وقال الضحاك: استقم على تبليغ الرسالة.
{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} أي لا تنظر إلى خلاف من خالفك.
{وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أنزل الله مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أي أن أعدل؛ كقوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين} [غافر: 66].
وقيل: هي لام كي، أي لكي أعدل.
قال ابن عباس وأبو العالية: لأسوّي بينكم في الدّين فأومن بكل كتاب وبكل رسول.
وقال غيرهما: لأعدل في جميع الأحوال.
وقيل: هذا العدل هو العدل في الأحكام.
وقيل في التبليغ: {الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} قال ابن عباس ومجاهد: الخطاب لليهود؛ أي لنا ديننا ولكم دينكم.
قال: ثم نُسخت بقوله: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} [التوبة: 92] الآية.
قال مجاهد: ومعنى {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} لا خصومة بيننا وبينكم.
وقيل: ليس بمنسوخ، لأن البراهين قد ظهرت، والحجج قد قامت، فلم يبقَ إلا العناد، وبعد العناد لا حجة ولا جدال.
قال النحاس: ويجوز أن يكون معنى {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} على ذلك القول: لم يؤمر أن يحتجّ عليكم ويقاتلكم؛ ثم نسخ هذا.
كما أن قائلًا لو قال من قبل أن تحوّل القبلة: لا تصلّ إلى الكعبة، ثم حوّل الناس بعد؛ لجاز أن يقال نسخ ذلك.
{الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا} يريد يوم القيامة.
{وَإليه المصير} أي فهو يحكم بيننا إذا صرنا إليه، ويجازي كُلًا بما كان عليه.
وقيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة، وقد سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش، على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوّجه شيبةُ بابنته.
قوله تعالى: {والذين يُحَاجُّونَ فِي الله} رجع إلى المشركين.
{مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ} قال مجاهد: من بعد ما أسلم الناس.
قال: وهؤلاء قد توهّموا أن الجاهلية تعود.
وقال قتادة: الذين يحاجون في الله اليهود والنصارى، ومحاجّتهم قولهم نبيّنا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم؛ وكانوا يرون لأنفسهم الفضيلة بأنهم أهل كتاب وأنهم أولاد الأنبياء.
وكان المشركون يقولون: {أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: 73] فقال الله تعالى: {والذين يُحَاجُّونَ فِي الله مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ} أي لا ثبات لها كالشيء الذي يزلّ عن موضعه.
والهاء في {لَهُ} يجوز أن يكون لِلّه عز وجل؛ أي من بعد ما وحّدوا الله وشهدوا له بالوحدانية.
ويجوز أن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي من بعد ما استجيب لمحمد صلى الله عليه وسلم في دعوته من أهل بدر ونصر الله المؤمنين.
يقال: دَحَضت حجته دُحوضًا بطلت.
وأدحضها الله.
والإدحاض: الإزلاق.
ومكان دَحْض ودَحَض أيضًا (بالتحريك) أي زَلِق.
ودَحَضت رجلُه تَدْحَض دَحْضًا زَلِقت.
ودَحَضت الشمس عن كبد السماء زالت.
{وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} يريد في الدنيا.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} يريد في الآخرة عذاب دائم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا تَفَرَّقُواْ} أي أمم الأنبياء بعد وفاة أنبيائهم كما في الكشف منذ بعث نوح عليه السلام في الدين لأالذي دعوا إليه واختلفوا فيه في وقت من الأوقات {إِلاَّ مِن بَعْدِ حتى جَاءهُمُ العلم} من أنبيائهم بأن الفرقة ضلال وفساد وأمر متوعد عليه؛ وهذا يؤيد ما دل عليه سابقًا من أن الأمم القديمة والحديثة أمروا باتفاق الكلمة وإقامة الدين، والمراد بالعلم سببه مجازًا مرسلًا، ويجوز أن يكون التجوز في الإسناد، وأن يكون الكلام بتقدير مضاف أي جاءهم سبب العلم، وقد يقال جاء مجاز عن حصل، والاستثناء على ما أشرنا إليه مفرغ من أعم الأوقات، وجوز أن يكون من أعم الأحوال أي ما تفرقوا في حال من الأحوال إلا حال مجيء العلم {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي عداوة على أن البغي الظلم والتجاوز والعداوة سبب له وهي الداعي للتفرق أو طلبا للدنيا والرياسة على أن البغي مصدر بغى بمعنى طلب {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} هي عدته تعالى بترك معاجلتهم بالعذاب {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} معلوم له سبحانه وهو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة لهم {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} باستئصال المبطلين حين افترقوا لعظم ما اقترفوا {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ} هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم وقرأ زيد ابن علي {وَرِثُواْ} مبنيًا للمفعول مشددًا لواو {لَفِى شَكّ مّنْهُ} أي من كتابهم فلم يؤمنوا به حق الإيمان {مُرِيبٍ} مقلق أو مدخل في الريبة، والجملة اعتراض يؤكد أن تفرقهم ذلك باق في أعقابهم منضمًا إليه الشك في كتابهم مع انتسابهم إليه فهو تفرقوا بعد العلم الحاصل لهم من النبي المبعوث إليهم المصدق لكتابهم وتفرقوا قبله شكا في كتابهم فلم يمنوا به ولم يصدقوا حقه.
{فَلِذَلِكَ} أي إذا كان الأمر كما ذكر فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر في الأمم السالفة شعبًا {فادع} إلى الائتلاف والاتفاق على الملة الحنيفية القديمة {واستقم كَمَا أُمِرْتَ} أي أثبت على الدعاء كما أوحى إليك، وقيل: الإشارة إلى قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم} [الشورى: 13] وما يتصل به ونقل عن الواحدي أي ولأجل ذلك من التوصية التي شوركت فيها مع نوح ومن بعده ولأجل ذلك الأمر بالإقامة والنهي عن التفرق فادع، وما ذكر أولى لأن قوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُواْ} شمل النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه كما سمعت، ويدل عليه {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} [الشورى: 13] فقوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فادع} الخ لا يتسبب عنه لما يظهر من التكرار وهو تفرع الأمر عن الأمر، وأما تسببه عن تفرقهم فظاهر على معنى فلما أحدثوا من التفرق وأبدعوا فاثبت أنت على الدعاء الذي أمرت به واستقم وهذا ظاهر للمتأمل.
ومن الناس من جعل المشار إليه الشرع السابق ولم يدخل فيه الأمر بالإقامة لئلا يلزم التكرار أي فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون فادع، وقيل: هو الكتاب، وقيل: هو العلم المذكور في قوله تعالى: {جَاءهُمُ العلم} [الشورى: 14] وقيل: هو الشك ورجح بالقرب وليس بذاك، واللام على جميع الأقوال المذكورة للتعليل، وقيل: على بعضها هي بمعنى إلى صلة الدعاء فما بعدها هو المدعو إليه، وأنت تعلم أنه لا حاجة في إرادة ذلك إلى جعلها بمعنى إلى فإن الدعاء يتعدى بها أيضًا كما في قوله:
شع دعوت لما نابني مسورًا

ونقل ذلك عن الفراء والزجاج، وأيًا ما كان فالفاء الأولى واقعة في جواب شرط مقدر كما أشرنا إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى، وقيل: كان الناس بعد الطوفان أمة واحدة موحدين فاختلف أبناؤهم بعد موتهم حين بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين، وجعل ضمير {تَفَرَّقُواْ} لأخلاف أولئك الموحدين والذين أورثوا الكتاب باق على ما تقدم والأول أظهر.
وقيل: {ضمير} تفرقوا لأهل الكتاب تفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم فهذا كقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة} [البينة: 4] وإنما تفرقوا حسدًا له عليه الصلاة والسلام لالشبهة، والمراد بالذين أورثوا الكتاب من بعدهم مشركو مكة وأحزابهم لأنهم أورثوا القرآن فالكتاب القرآن وضمير منه له وقيل للرسول وهو خلاف الظاهر، واختار كون المتفرقين أهل الكتاب اليهود والنصارى والمورثين الشاكين مشركي مكة وأحزابهم شيخ الإسلام واستظهر أن الخطاب في {أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} [الشورى: 13] لأمته صلى الله عليه وسلم.
وتعقب القول بكون المتفرق كل أمة بعد نبيها والقول بكونه اخلاف الموحدين الذين كانوا بعد الطوفان فقال: يرد ذلك قوله تعالى: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ} [الشورى: 14] فإن مشاهير الأمم المذكورة قد أصابهم عذاب الاستئصال من غير إنظار إمهال على أن مساق النظم الكريم لبيان أحوال هذه الأمة وإنما ذكر من ذكر من الأنبياء عليهم السلام لتحقيق أن ما شرع لهؤلاء دين قديم أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة والسلام تأكيد الوجوب إقامته وتشديدًا للرجز عن التفرق والاختلاف فيه فالتعرض لبيان تفرق أممهم عنه ربما يوهم الاخلال بذلك المرام انتهى.
وأجيب عن الأول بأن ضمير {بَيْنَهُمْ} لأولئك الذين تفرقوا وقد علمت أن المراد بهم المتفرقون بعد وفاة أنبيائهم وهو لم يصبهم عذاب الاستئصال وإنما أصاب الذين لم يؤمنوا في عهد أنبيائهم واطلاق المتفرقين ليس بذاك الظهورو، وقيل: المراد لقضي بينهم ريثما افترقوا ولم يمهلوا أعواما، وقيل: المراد لقضي بينهم باهلاك المبطين وإثابة المحقين إثابتهم في العقبى وهو كما ترى، وعن الثاني بأنا لا نسلم إيهام التعرض لبيان تفرق الأمم الإخلال بالمرام بعد بيان أنه لم يكن إلا بعد أن جاءهم العلم بأنه ضلال وفساد وأمر متوعد عليه وأنه كان بغيا بينهم ولم يكن لشبهة في صحة الدين، وقيل: ضمير {تَفَرَّقُواْ} للمشركين في قوله تعالى: {كَبُرَ عَلَى المشركين} [الشورى: 13].
حكى في البحر عن ابن عباس أنه قال: وما تفرقوا يعني قريشًا والعلم ممد صلى الله عليه وسلم وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي كما قال سبحانه: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: 42] الآية، وقد يقال عليه: المراد بالذين أورثوا الكتاب أهل الكتاب الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى {من بعدهم} [الشورى: 14] على ما قال أبو حيان من بعد أسلافهم.
ونقل الطبرسي عن السدى ما يدل على أن المراد من بعد احبارهم وفسر الموصول بعوام أهل الكتاب، وقيل: ضمير بعدهم للمشركين أيضًا والبعدية رتبية كما قيل في قوله تعالى: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} [النازعات: 30] ولا يخفى عليك أنه لا بأس بعود ضمير {تَفَرَّقُواْ} للمشركين لوجود للذين أورثوا الكتاب توجيه يقع في حيز القبول والله تعالى الموفق، وجعل متعلق {استقم} الدعاء لا تخفى مناسبته.